تمر الأيام، وتبقى ذكرى نصر أكتوبر المجيد خالدة في فكر وعقل جميع أبناء الأمة العربية والإسلامية، فهي ذكرى تتخلد فيها معاني العزة والكرامة، ذكرى ما زالت تومض في الذاكرة بمعانٍ جليلة لا تتقادم بمرور الزمن، ما أحوجنا أن نستحضر منها هذه المعاني؛ لنواجه -بروح السادس من أكتوبر- التحديات الماثلة أمامنا؛ لنحقق انتصارات حياتية في معارك التنمية والتعليم والإدارة والنهوض والتقدم. ما أحوجنا أن نستلهم ذكرى حرب أكتوبر المجيدة لنعيد أمجاد الأمة لسالف عهدها؛ مما يتطلب استنهاض الهمم والعزيمة، وشحذ الإرادة في أبناء الأمة؛ لنكون على قلب رجل واحد؛ لأن تلك الذكرى المجيدة قد تحققت حينما اجتمع المصْريون على قلب رجل واحد ورفعوا شعار "الله أكبر"؛ فدكوا حصون العدو، وارتعدت فرائصه، فكان الإيمان قائدهم، فنصرهم المولى عز وجل حينما رأى فيهم نصرتهم لدينه ونصرًا لأنفسهم، فنصرهم المولى سبحانه وتعالى. فما أحوجنا -ونحن في هذه الأيام ومصر تتعافى- أن نعبر بها إلى بر الأمان؛ حتى نكون ممن اصطفاهم المولى سبحانه ليعيدوا الأمة إلى سالف عهدها وعزها وكرامتها؛ وهذا ليس ببعيد على خير أمة أخرجت للناس. وفي ذكرى هذا الاحتفال أحب أن أوجه رسائل خاصة إلى أبناء مصر كافة، أقول لهم فيها: إن طيور الظلام التي تتربص بمصر لن ترضى لها التقدم، مما يوجب علينا تفويت الفرصة أمام أعدائنا، فالخطر داهم، لكن إرادة المصريين وعزيمتهم تلين لها الجبال، وهذا ما نعول ونراهن عليه دائمًا؛ والتاريخ خير شاهد على ذلك. أما الرسالة الثانية: فتتمثل في العمل والإنتاج؛ لأنه الطريق الوحيد لبناء دولة على أسس قوية، خاصة أن مصر مؤهلة لأن تكون من أقوى البلاد اقتصاديا؛ حيث تتوافر تربتها الزراعية والمائية، ولوفرة عمالتها وخبرائها الذين إذا أتيحت لهم الفرصة سيجعلون منها قوة اقتصادية لا يستهان بها. أما رسالتي الثالثة: فهي للشباب؛ فعليهم أن يتأسوا برسولهم الكريم وبالصحابة والتابعين الذين حولوا الأمة إلى قوة اقتصادية في فترة وجيزة، رغم عدم امتلاكهم للأدوات التي نمتلكها، كما عليهم التأسي بجيل أكتوبر الذي امتلأ بالعزيمة والإرادة فكان له النصر المبين. والرسالة الرابعة: سيناء جزء غالٍ من تراب مصر، وتشكل البوابة الشرقية لمصر، وصمام الأمان لها، وعلى أرضها دارت أشرف معارك العزة والكرامة، وآخرها حرب 6 أكتوبر (العاشر من رمضان)، فأهلها جزء أصيل من نسيج الشعب المصري الذي تميز بالإخلاص والتفاني والكفاح لرفعة بلدهم؛ وخير دليل على ذلك أنهم كانوا في طليعة القوات المهاجمة، وعيونًا ساهرة للجيش المصري في حربه ضد العدو. إن حرب أكتوبر المجيدة توضح لنا -وللعالم أجمع- أن مصر صخرة صلبة تنكسر عليها كل أحلام الطغاة والمستعمرين وكل من يريد المساس بأمن وطننا العزيز واستقراره، والدفاع عن أرضنا من -أي اعتداءات- إنما هو واجبٌ وطني مترسخ في أذهان قواتنا المسلحة وكل مواطن ذاق خيرات هذه الأرض الغالية. إن الجيش المصري العظيم كان -ولا يزال- الدرع الواقية والحارس الأمين لمصر في السلم والحرب، فقد ضرب أروع الأمثلة في التضحية والفداء في معركة العاشر من رمضان، والآن يخوض حربًا أخرى لا تقل ضراوة ضد قوى التطرف والإرهاب. إن الأزهر الشريف -بهذه المناسبة- يدعو جموع الشعب المصري -بجميع فئاته وطوائفه- للوقوف بجانب قواتنا المسلحة في حربها ضد الإرهاب؛ من أجل استقرار مصرنا وحفظًا لأمنها، وأن يستلهموا روح العاشر من رمضان في العمل بإخلاص وتفانٍ؛ من أجل رفعة هذا الوطن وتقدمه، سائلًا الله تعالى أن يعيد هذه المناسبة على مصرنا العزيزة بمزيد من التقدم والرخاء والأمن والاستقرار، وأن يحفظ مصر من كل مكروه وسوء. والتاريخ خير شاهد على أن شيوخ الأزهر وعلماءه لم يكونوا بمنأًى عن هذه الحرب؛ إنما كانوا في مقدمة الصفوف، والتاريخ يوثق كفاح علماء الأزهر ضد المستعمرين والطغاة على مر العصور. ويجب ألا ننسى -في هذه الذكرى الطيبة- أن نترحم على شهدائنا الأبرار الذين ضحوا بدمائهم من أجل نصرة الحق والوطن، وأنْ نتقدم لمصر –رئيسًا، وحكومةً، وشعبًا- بخالص التهنئة وبالدعاء إلى الله تعالى أنْ يأخذ بأيدينا جميعًا، وأن يوفقنا لفتح باب الأمل أمام المواطنين لتحقيق طموحاتهم وتطلعاتهم لمستقبلٍ واعدٍ -إن شاء الله- ينعم فيه الجميع بالخير والرخاء والازدهار.