المرأة في شريعة الإسلام شريكة الرجل في الحقوق والواجبات؛ فالإسلام هو أول نظامٍ في العالم حرر المرأة من كافة الأغلال والقيود الظالمة التي كانت عليها؛ وذلك لأن ظلم المرأة وتهميش دورها كان جزءًا من طبيعة النظام الاجتماعي قبل الإسلام، فجاء الإسلام ليقف بجوار المرأة -أما، وأختًا، وبنتًا، وزوجةً- ويضمن لها جميع حقوقها. ولهذا؛ فإنه من الخطأ النظر إلى أن بعض ما تعانيه المرأة الشرقية من تهميشٍ إنما هو بسبب تعاليم الإسلام، فهذا زعمٌ باطلٌ، والصحيح أن هذه المعاناة إنما لحقتها بسبب مخالفة تعاليم الإسلام الخاصة بالمرأة، وإيثار تقاليد عتيقةٍ وأعرافٍ باليةٍ لا علاقة لها بالإسلام، وتقديم هذه التقاليد على الأحكام المتعلقة بالمرأة في الشريعة الإسلامية. فالمرأة المسلمة عانت بسبب كثيرٍ من القيود خارج إطار الشريعة الإسلامية، وهو ما أدَّى إلى ظهور العديد من المشكلات؛ مثل:( العنوسة، والحرمان من الميراث، وغيرها). بل إن المجتمع المسلم فَقَدَ كثيرًا من طاقاته المبدعة حين سمحنا –نحن المسلمين- بتهميش دور المرأة وإقصائها عن مواقع التأثير في مجتمعاتنا. ومن جانبي: فإنني لا أعرف موضوعًا آخر استنزف من عقول العلماء والمفكرين والباحثين والباحثات -منذ مطلع القرن الماضي حتى يومنا هذا- ما استنزفه موضوع المرأة. وفي مكتبتنا العربية والإسلامية المعاصرة آلاف الكتب والأبحاث والمؤتمرات والندوات التي تناولت موضوع المرأة وقتلته بحثًا ودراسةً ومقترحًا؛ ورغم ذلك يظل هذا الموضوع وكأنه لم يمسسه فكرٌ ولا قلمٌ من قبل! والذي يبدو لي -بعد طول نظرٍ- في هذه القضية أنه يمكن النظر إليها من زوايا ثلاثٍ: الزاوية الأولى: زاوية الإسلام الذي أنصف المرأة المسلمة، وحرَّرها من الأغلال والقيود التي كبلتها بها حضاراتٌ معاصرةٌ لظهور الإسلام؛ وفي مقدمتها: حضارة اليونان -ممثلةً في قطبيها الكبيرين: أفلاطون وأرسطو- وشريعة الرومان، وأديان الهند، وكتبٌ مقدسةٌ حملت المرأة –وحدها- مسئولية الخطيئة الأولى، والجاهلية العربية التي صادرت على المرأة حق الحياة، وحق التعلم، وحق التملك، وحق الميراث.. إلى آخره. ولكن أقول: إنه في هذا الجو الخانق للمرأة ظهر الإسلام، وكانت له كلمته الحاسمة، ولو أنه صمت -في ذلكم الوقت- عن مظالم المرأة واستذلالها، ما توجه إليه عتبٌ ولا لومٌ، فقد كانت الدنيا بأسرها ضد المرأة وضد حقوقها وضد كرامتها كإنسانٍ؛ لكنه لم يلبث أن صَدَعَ في الناس بقوله تعالى: ﴿ولهنَّ مِثلُ الَّذي عليهنَّ بِالمعروفِ﴾ [البقرة: 228]، ﴿ولا تمسكوهنَّ ضرارًا لتَعْتَدُوا﴾ [البقرة: 231]. وكان من كلماته ﷺ: «النِّساءُ شقائقُ الرجالِ». ووقف الإسلام -وإلى الأبد- وأد البنات، وملك المرأة حقوقًا سبقت بها نظيراتها في العالم بأربعة عشر قرنًا من الزمان؛ ملكها حق الإرث، وحق التعليم، وحق اختيار الزوج، وجعل لها ذمةً ماليةً مستقلةً عن زوجها، تتصرَّف فيها تصرف المالك في ملكه الخالص، مع الاحتفاظِ باسم عائلتها؛ حتى لا تذوب شخصيتها في شخصية شريكها، وساوى بينها وبين الرجل في التكاليف وتحمل المسئولية. ومعلومٌ أن هذه الحقوق لا بد أن تصنع من المرأة عنصرًا مبدعًا في المجتمع؛ فهي لا تقل شأنًا عن الرجل إن لم تزد عليه، وقد صح أنه ﷺ قال: «فلو كنت مفضلًا أحدًا لفضلت النساء على الرجال». وهذا التفضيل ليس من باب جبر الخاطر لضعيفٍ مهضوم الحق، وإنما هو لفتٌ للأنظار إلى ميزاتٍ وخصائص تتفوق فيها النساء وقد يفضلن بها الرجال. أما الزاوية الثانية: فهي الزاوية التي تأثرت بالعادات والتقاليد أكثر مما تأثرت بأحكام القرآن والسنة والنصوص الصريحة التي ترفع من شأن المرأة ومن قدرها العلمي والاجتماعي والإنساني. وهذا المسلك كاد يعود بالمرأة في -كثيرٍ من مظاهر حياتها- إلى ما كانت عليه قبل نزول القرآن؛ فصادر عليها كثيرًا من حقوقها التي كفلها الإسلام للمرأة، واستدعى في نظرته للمرأة فقهًا غريبًا ضرب عليها حصارًا من العزلة والغربة، حتى كادت تألف غربتها وعزلتها، وما جاء الإسلام إلا ليحرر المرأة من هذا الحصار، ويلقي بها في قلب المجتمع؛ لتتحمل مسئولياتها في إعماره وتنميته وتقدمه. أما الزاوية الثالثة: فهي زاوية الحداثة الغربية المرتبطة بمفاهيم خاصةٍ وفلسفاتٍ جديدةٍ تنكرت لكثيرٍ من القيم الثابتة في تاريخ هذه المجتمعات وعقائدها. وأبادر بالقول في عبارةٍ موجزةٍ: إنني أفرق -تفرقةً حاسمةً- بين الحداثة -بكل محاذيرها- والتحديث -الذي هو تفاعلٌ واجتهادٌ وتجديدٌ للتراث الديني والأخلاقي- والإفادة من كنوزه؛ فالحداثة -بمفهومها الغربي- ليست هي الأنموذج الأمثل الذي يستحق تعميمه وتسويقه عالميا وعولميًّا. وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: هل الحداثة هي البديل الأمثل لمجتمعٍ يحفظ قيم الأمومة والأسرة رغم ما يلحقها -باسم الدين- من تجاوزاتٍ، أو أن نقبل هذا الواقع ونحاول تغييره وتجديده؛ انطلاقًا من هوياتنا المختلفة وثقافاتنا المتعددة؛ لأن البديل الآخر -وبكل تأكيدٍ- هو الدمار والكارثة بالمعنيين (المادي والمعنوي)؟ إن العالم العربي والإسلامي -الآن، وأكثر من أي وقتٍ مضى- في أمس الحاجة لإعلاء مكانة المرأة ودورها في دعم مسيرة التطوير وتنمية المجتمعات، لا سيما في ظل التحديات الراهنة التي تشهدها مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وهو ما يتطلب التأكيد على أهمية تعظيم دور المرأة وتكريمها، وإنصافها، واستغلال طاقاتها المهدرة، واحترام حقوقها التي كفلها الإسلام.