إن ما حدث لهذه الأمة في العصر الحديث ما كان ليحدث لو أن علماءها ومفكريها كانوا على يقظة لما يدبر لها من داخلها وخارجها، وعلينا أن نعلم أن سر بقاء هذه الأمة -رغم كل الضربات القاتلة التي تسدد إليها- ليس مرده إلى أرباب العلم والفكر، وإنما مرده إلى الله القوي العزيز الذي تعهد بحفظ القرآن الكريم من لدنه، وبقاء هذه الأمة على قيد الحياة. فوراثة العلماء للأنبياء ليست قاصرة على وراثة العلم والتشريع فحسب، بل تشمل -أول ما تشمل- وراثة رسالتهم –عليهم الصلاة والسلام – في الإصلاح والتغيير، وبذل الجهد والعرق والتعب من أجل إنقاذ الأمة وإسعادها. إن «التجديد» -وضرورته للمسلمين في كل زمان ومكان- لم يعد أمرًا قابلًا للأخذ والرد؛ فهو حقيقة شديدة الوضوح في الإسلام –نصا، وشريعة، وتاريخًا- وربما تفرد القرآن الكريم -من بين سائر الكتب السماوية- بالإشارة إليه، وألهمت إشاراته علماء المسلمين من المتكلمين والفلاسفة، وأمدتهم بأنظار فلسفية جديدة لم يسبقوا إليها من قبل؛ فأئمة الفقه والأصول -منذ عهد الصحابة- مارسوا الاجتهاد في تجديد أحكام الشريعة كلما مست حاجة التجديد إلى ذلك. لقد آن الأوان لأن نتجه وجهة أخرى عملية، تتعامل مع المشكلات والقضايا محل الخلاف أو الصمت أو التهيب؛ تحسبًا لمواقف بعض فقهائنا المتشددين الذين يرون كل تجديد خروجًا على الشريعة وتفريطًا في الدين. وعلينا اللجوء إلى «الاجتهاد الجماعي» الذي يدعى إليه كبار علماء المسلمين؛ لينظروا في قضايا الأمة الآن، وأخطرها على الإطلاق قضايا التكفير وتداعياته، وتحديد مفهوم «دار الإسلام» و«دار الحرب». وكذلك مسائل الحج وبخاصة: الإحرام من جدة للقادم جوًّا أو بحرًا، ورمي الجمرات في سائر الأوقات، وأيضًا استنهاض الأمة باستصدار فتاوى توجب العمل وتحرم التقاعس والكسل، وقضايا أخرى يضيق المقام عن ذكرها؛ شريطة ألا يفتى في هذه القضايا الدقيقة بفتاوى مجملة ونصوص عامة لا تحسم القضية.