أيها الطلاب الأذكياء النجباء، إنني -ومعي قيادات الأزهر- نهنئكم -من كل قلوبنا- على هذا الفوز العظيم الذي وفقكم الله إليه؛ بفضل اجتهادكم وصبركم على مكابدة تحصيل العلم النافع من علوم الدين والدنيا، كما أهنئ أسركم الكريمة التي وقفت من خلفكم تدعمكم وتشجعكم، وتحثكم على الجد والتعب، وتحمل المشقة والمعاناة، وزرع الثقة في الله، والتعود على الاعتماد على النفس؛ فلهذه الأسر المصرية الأصيلة المسئولة الجادة كل التقدير وكل التحية وكل الإجلال والاعتزاز والافتخار. سيروا على بركة الله، وواصلوا العزيمة والإصرار والاحتفاظ بهذا التفوق في كلياتكم التي ستختارونها ،سواء في الكليات الأزهرية الأصيلة، أو الكليات العملية والتقنية. ولا تظنوا أن مفهوم «العلم» منحصرٌ في علوم الدين واللغة فقط، بل يتعدد مصداقه ليشمل كل علمٍ ينفع الإنسانية، ويسعد البشرية، ويحقق لها المنافع والمصالح المعتبرة عقلًا وشرعًا وأخلاقًا. وسوف تقابلكم مزعجات كثيرة على جانبي الطريق، تحاول أن تصرفكم عن أهدافكم الشريفة، فلا تلتفتوا إليها، وكونوا منها على حذر، وامضوا في طريق تحصيل العلم، فأنتم الأمناء على دين الله وعلى يسره وإنسانيته؛ أظهروا رحمته بالناس والحيوان والجماد، وانشروا تعاليمه السمحة، وبينوا للناس جماليات القرآن الكريم والسنة المطهرة، ودلوهم على سماحة شريعته الغراء. ولا تركنوا إلى المنغلقين الذين أداروا ظهورهم لفهم دين الله فهمًا صحيحًا كما أراده الله ورسوله، ورهنوا عقولهم لدعاة على أبواب جهنم من الأخسرين أعمالًا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا. فأنتم أمل الأمة، ودعاة الحق والعدل، وبدعوتكم ينتشر السلام بين الناس جميعًا، مهما اختلفت أديانهم وأعراقهم وعقائدهم. واعلموا أنكم تتفردون -من بين جامعات الدنيا كلها- بأنكم تسندون ظهوركم إلى مؤسسةٍ عريقةٍ مضى عليها –الآن- أكثر من ألف عام وهي تنشر العلم والأدب والأخلاق، وتوجه سلوك الناس إلى ما فيه خير الإنسانية ومصلحتها. واعلموا أن شيوخكم الأجلاء رغم تمسكهم بتراثهم الجليل العظيم، فإنهم كانوا أول من انفتح من مصر كلها على ثقافة الغرب، ونهل من علومه ومعارفه؛ بعد أن ميزوا فيها بين ما يفيد وما لا يفيد. وإن كان لي من أملٍ -أتطلع إليه وأتوسمه في محياكم الواعد الجاد- فهو أن تجمعوا في مسيرتكم العلمية بين التضلع من التراث والانفتاح على ثقافات الأمم وحكمتها وآدابها المعاصرة، وأن تميزوا فيها -كما ميز أسلافكم- بين نافع تنقلونه لأوطانكم، وضار تنبذونه وتتركونه لأهله. وإن الأزهر الشريف الذي أنجب: (الشيخ حسنًا العطار، ورفاعة الطهطاوي، ومحمد عياد الطنطاوي، ومحمد عبده، ومصطفى عبد الرازق، ومحمد عبد الله دراز، وغلابًا)، ولفيفًا من شيوخ أصول الدين والشريعة واللغة العربية الذين درسوا في جامعات الغرب -هذا الأزهر لن يعقم أن ينجب أمثالهم من بينكم؛ ليحملوا مشاعل الثقافة الإسلامية الصحيحة التي تعتمد على النقل بكل مقدساته والعقل في أرحب آفاقه وانطلاقاته. وإذا كان لي من نصيحة أبٍ وأستاذ، فهي أن تحرصوا على تعلم لغة من اللغات الأجنبية تكون لكم نافذة على ما عند الآخرين. ومن نعم الله عليكم أن يسر لكم –الآن- سبل تعلم الإنجليزية والفرنسية والألمانية على أيدي أهلها، وفي مراكز لتعلم اللغات في قلب جامعة الأزهر. هذا ومن واجب الوفاء أن أؤكد لكم تقدير السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي لدوركم ودور الأزهر الشريف، وأنه يعول عليـكم –كثيرًا- في نشر العلم الصحيح والفكر السوي، واجتثاث جذور التطرف والإرهاب، والتصدي للفكر المنحرف. وهو تقدير نبيل مشكور يشجع كل أزهري حر مخلص لمعهده المعمور أن يضاعف الجهد والعمل، وأن يمد في حبل الصبر على هؤلاء الذين لا يعملون ولا يريدون للناس أن يعملوا.